زراعة بذور بيئة الأعمال: تهيئة الأرض لأصحاب المشاريع المحرومين من الموارد


مصطفى داود

المدير التنفيذي، المحطة



تصبح بيئات ريادة الأعمال محركات حيوية للنمو والاستقرار في الأماكن التي تتعافى من الصراع. تخيل شركة ناشئة في بغداد تتغلب على تحديات المشهد الاقتصادي المتغيِر. مثل العديد من الشركات الأخرى، تسعى هذه الشركة الناشئة إلى بناء أساس متين والوصول إلى الموارد الحيوية. إنّها تبحث عن فرص لتكوين العلاقات ومشاركة المعرفة والتواصل عالمياً. ومُبتغى هذه الشركات أبعد من مجرد نمو العمل التجاري، لأنّها تبحث عن بيئة أعمال تعزز شفاء المجتمع وإعادة البناء وإلى رسم مستقبلٍ مشرقٍ ومستقر.


وبناءً على هذه الرؤية، أظهرت بيئة أعمال الشركات الناشئة العراقية علامات واعدة للنمو والإمكانات. إذ حققت الشركات الناشئة في أوائل عام 2022 مثل عالسريع وTipTop استثمارات كبيرة، لم تجذب انتباه أصحاب المصلحة المحليين فقط بل تلقت اهتماماً من المستثمرين الدوليين كذلك. تسلط هذه المعالم الضوء على مشهد ريادة الأعمال المتطور في العراق. في حين أن بيئة الأعمال العراقية لا تزال في طور النمو، إلَّا أن تواجدها المتنوع في جميع المحافظات جدير بالملاحظة. وقد لعبت الجهود التعاونية التي بذلتها جهات التمكين مثل المحطة وكابيتا و 51Labs وغيرها الكثير دوراً حاسماً في هذا التطور، مما أدى إلى زيادة الموارد المتاحة لنمو الشركات الناشئة وتعزيز ريادة الأعمال والاستثمار المحلي والعالمي. 


في حين أن بيئة الأعمال كانت حافزاً للعديد من الشركات الناشئة، فمن الضروري التعرف على عدد لا يحصى من الشركات التي حققت نجاحاً خارج نطاقها. لقد نجح العديد من المؤسسين في إنشاء مجالاتهم الخاصة، والتنقل عبر تعقيدات السوق دون دعم مباشر من بيئة الأعمال القائمة. أحد رواد الأعمال هؤلاء هو خالد الساعدي. إذ بدأ خالد رحلته في القطاع الخاص، مراكماً خبراته في مختلف المجالات. حتى قادته عقليته التجارية إلى تأسيس "سعفة الجنوب"، شركته الخاصة بالسلع الاستهلاكية سريعة الحركة. برز مشروع خالد في سوق شديدة التنافس، وصار له حضورٌ قوي وحقق نمواً كبيراً. تكلل هذا المشروع بالنجاح بجهودٍ مستقلة، دون تأثيرٍ أو دعمٍ مباشر من بيئة ريادة الأعمال الأوسع.


ومع ذلك، بدأت مرحلة التحول في رحلة خالد عندما تعامل مع المحطة. ومن خلالها، تواصل خالد مع بيئة الأعمال ووفرت له ثروة من الموارد والإرشاد والفرص. دفعته هذه المشاركة إلى إطلاق "جميلة"، وهي امتداد رقمي لأعماله الخاصة بالسلع الاستهلاكية سريعة الحركة، حيث يقدم منصة تطبيقات الهاتف المحمول لتجار التجزئة للسلع الاستهلاكية سريعة الحركة.


يقول خالد متأملاً في رحلته، "يتمتع مؤسس الأعمال بالخبرة اللازمة لإنشاء مشروع تجاري وتشغيله ولكنه يحتاج إلى المعرفة التقنية لتحسينه والتخطيط له"، في إشارة إلى المعرفة والأفكار التي اكتسبها من معلمه في CoGrowth، علي الحلي. ولخص خالد تجربته بالقول: "يستطيع المؤسس حل المشكلات، ولكن ما يكتسبه من خلال التعامل مع بيئة الأعمال هو عقلية المؤسس".


تؤكد تجربة خالد على استراتيجية أوسع لها دورٌ محوري في توسيع بيئة الأعمال، ألّا وهي التواصل. في حين أن المشاركة المباشرة مع الشركات الناشئة أمر بالغ الأهمية، إلا أن هناك إمكانات غير مستغلة في التواصل مع الشركات العاملة خارج الحدود الحالية لبيئة الأعمال.


إحدى أقوى الطرق لتحقيق ذلك هي التعاون مع المجتمعات الصغيرة في جميع أنحاء البلاد. تمتلك تلك المجتمعات – التي غالباً ما تكون متأصلة بعمق في سياقاتها المحلية – رؤىً فريدة حول التحديات والفرص الإقليمية. ومع ذلك، غالباً ما تظل إمكاناتهم غير مستغلة بالقدر الكافي بسبب عدم إمكانية الوصول إلى الموارد والإرشاد والخبرة الفنية.


ومن خلال تزويد هذه المجتمعات الصغيرة بالتدريب والدعم، يمكن لعوامل التمكين الرئيسية مثل المحطة دمجها في بيئة ريادة الأعمال الأوسع. وهذا التكامل لا يفيد المجتمعات فحسب؛ فهو يوسع نطاق بيئة الأعمال إلى مناطق غير مستغلة سابقاً. وعندما يتم تمكين هذه المجتمعات وتزويدها بالأدوات المناسبة، يصبح بوسعها العمل كمراكز إقليمية، وتعزيز ريادة الأعمال على المستوى الشعبي وتوسيع حدود بيئة الأعمال لتشمل المزيد من الشركات. 


تَصَوَرْ وجودَ شبكةٍ موحدة من بيئات الأعمال في جميع أنحاء العراق، تقدم دعماً مخصصاً يتجاوز المراكز المعزولة. تتمكن الشركات ضمن هذا الهيكل بغض النظر عن موقعها من الوصول إلى الموارد والإرشاد. تتدفق المعلومات بسهولة، مما يعزز التكيف السريع لأفضل الممارسات. وتصبح بيئة الأعمال هذه منبعاً للمعرفة المشتركة، مما يؤدي إلى تكافؤ الفرص لجميع الشركات الناشئة والشركات الصغيرة.

إن توسع بيئة ريادة الأعمال يتجاوز عالم الشركات الناشئة، إذ تمتد فائدته إلى تنشيط اقتصاد البلد وتنويعه وزيادة مرونته. نحن لا نمهد الطريق لنجاح ريادة الأعمال فحسب، بل نؤسس لاقتصاد قوي ومتنوع، ومستعد لمواجهة التحديات ورسم مسار نحو الرخاء المستدام للعراق.









More Arabic Articles

استثمر في كوردستان: نظرة عامة على القطاعات ذات الأولوية

إقليم كوردستان العراق هو إقليمٌ يتمتع بالحكم الذاتي يقع في الجزء الشمالي من العراق، وله موقع استراتيجي مهمٌ عند التقاء أوروبا وآسيا... read more

تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إقليم كوردستان: نظرة عامة على المهارات الرقمية والقطاعات وفرص الاستثمار

يقع إقليم كوردستان في شمال العراق ويضم أربع محافظات هي دهوك، والسليمانية، وحلبجة، وأربيل، والأخيرة هي عاصمته. تمتد هذه المحافظات مجتمعة على... read more

تحول التعليم الجامعي في كوردستان العراق: اجتياز العقبات وتبني التغيير الإيجابي

واجه التعليم في إقليم كوردستان العراق العديد من التحديات في الماضي، لكنه أيضاً شهد تحولاً مطرداً في السنوات الأخيرة. لقد أدرك الإقليم... read more

أدوار جامعية رائدة: الجامعة الأمريكية في السليمانية تقود المشاركة الجامعية في تطور ريادة الأعمال في العراق

في عصر التقدم التكنولوجي السريع والتواصل العالمي، عادة ما يتردد على أسماعنا مصطلح "ريادة الأعمال" في قاعات التجارة والأعمال، هذه الكلمة الرنّانة،... read more

تشكيل الغد: إعداد الشباب العراقي لسوق العمل

"الأمة التي لا تفكر بالشباب هي أُمةٌ تخطط للانتحار." لا شك بأن الشباب هم قادة المستقبل، وإنَّ عدم إشراكهم واحترام دورهم في... read more

مجموعة جيهان: نسج تراث من الابتكار في مُختَلَف القطاعات

تُعدُّ مجموعة جيهان من شركات التصنيع الرائدة في إقليم كوردستان العراق، وقد نَمَت على مدى العقود المنصرمة منذ بداياتها الأولى في صناعة... read more

Posted in on Saturday, 2nd December, 2023