تحول التعليم الجامعي في كوردستان العراق: اجتياز العقبات وتبني التغيير الإيجابي


محمد باجلان
رئيس قسم علوم الحاسوب جامعة جيهان-اربيل


واجه التعليم في إقليم كوردستان العراق العديد من التحديات في الماضي، لكنه أيضاً شهد تحولاً مطرداً في السنوات الأخيرة. لقد أدرك الإقليم أهمية التعليم الجيد باعتباره حجر الأساس للتنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي وبناء الأمة. وإنَّ الجهود مستمرة للتغلب على العقبات وبناء نظام تعليمي أرصن وأكثر شمولاً يلبي احتياجات عالمنا دائم التغير.

أدت التحديات مثل عجز البنية التحتية، وقصور الموارد المخصصة، وأساليب التدريس التي عفا عليها الزمن مقرونةً بقيود التمويل إلى إعاقة تقدم نظام التعليم. أضف لذلك العراقيل التي يفرضها حاجز اللغة وهجرة العقول والحاجة إلى التوافق مع متطلبات الصناعة، التي زادت الوضع تعقيداً. ورغم كل هذه الصعوبات، شرعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة إقليم كوردستان في رحلة للتصدي لهذه التحديات وإحداث تغييرات نحو الأفضل.

في السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة تركيزاً متجدداً على التعليم، مع مبادرات تهدف إلى تحسين البنية التحتية، وتعزيز تنمية عقلية الطلاب، وتحديث المناهج الدراسية، والتعاون مع الجامعات الدولية، ومراكز التوظيف الرصينة، والاعتماد الدولي، والانتقال السلس من التعليم إلى العمل. وإنَّ الحكومة تعمل يداً بيد مع المؤسسات التعليمية ومختلف أصحاب المصلحة وعلى قدم وساق لدفع هذا التحول والتغلب على العقبات القائمة منذ عقود.

إنَّ حكومة الإقليم تسعى من خلال الاستثمار في التعليم إلى تمكين مواطنيها، وتطوير قواها العاملة الماهرة، وتعزيز ثقافة التعلم على مدى الحياة. الهدف هو تزويد الطلاب بتعليم عالي الجودة يؤهلهم لمواجهة تحديات عالمنا الحديث والإِسْتَفادَةِ من فرصه. ويعد هذا التحول أمراً حيويا لتلبية متطلبات الاقتصاد العالمي وتعزيز التقدم الاجتماعي وبناء مستقبل مزدهر لشعب كوردستان.

تسلط هذه المقالة الضوء على العوامل المهمة التي تساهم في رسم مستقبل أكثر إشراقاً لنظام التعليم وتمهد الطريق لنجاح ورفاهية طلابه والمجتمع ككل.


تمكين عقلية الطالب 

إنَّ العقلية المنفتحة للتغيير التي يمتلكها الطلاب في الإقليم بخصوص تفضيلاتهم المهنية، وخاصة تحولهم من القطاع العام إلى القطاع الخاص، لها دورٌ حاسمٌ في تشكيل مستقبل كوردستان. ويُعَدُّ هذا التحول ركيزةً مهمة للنمو الاقتصادي وفرص العمل والتشكيل العام للقوى العاملة في كوردستان.

تقليدياً، كان يُنظر إلى القطاع العام على أنَّه خيار التوظيف الأول بسبب ما يوفره من أمن واستقرار وظيفي. لكن ظهر في السنين الأخيرةِ توجهٌ وميولٌ ملحوظ من الطلاب الذين بشكل متزايد إلى استكشاف الفرص في القطاع الخاص. ويمكن أن يعزى هذا التحول إلى عوامل مختلفة، بما في ذلك تطور عقلية ريادة الأعمال والتركيز على تنمية المهارات.

خصصت جامعات متعددة في الإقليم مثل الجامعة الأمريكية في كوردستان، وجامعة جيهان-أربيل، وجامعة كوردستان هولير، والجامعة الأمريكية في العراق السليمانية، موارد هائلة لإنشاء وتعزيز المراكز المهنية. تقدم هذه المراكز مساعدة واسعة النطاق، بما في ذلك التوجيه بشأن الخيارات المهنية، والدعم في التوظيف، وفرص التدريب، والعلاقات. تهتم المراكز بتزويد الطلاب بالمهارات الحيوية اللازمة لرحلاتهم المهنية، وتعزيز فرصهم للتوظيف، وتسهيل الانتقال السلس من التعليم إلى القوى العاملة. بالإضافة إلى ذلك، قدمت هذه الجامعات مبادرات مختلفة، بما في ذلك برامج الإرشاد، ومبادرات ريادة الأعمال، والخدمات الاستشارية، والأنشطة اللامنهجية، التي تهدف إلى تعزيز العقلية الإيجابية بين طلابها. 


تحديث المنهج

ولضمان الملاءمة والمواءمة مع الاتجاهات الناشئة ومتطلبات الصناعة، اعتمدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في كوردستان عملية بولونيا (Bologna Process)، وهي إطار عمل لزيادة التوافق بين أنظمة التعليم العالي في جميع أنحاء أوروبا وخارجها. وتسهل هذه العملية إصلاح المناهج الدراسية، وضمان الجودة، وتنقل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس.

أحد الأهداف الأساسية للوزارة هو تطوير المناهج الدراسية التي تلبي المعايير الدولية وتعزيز جودة التعليم العالي في كوردستان. من خلال عملية بولونيا، تشجع الوزارة الجامعات على تنفيذ مناهج التعلم المُرتكزةُ على الطالب، وتعزيز الدراسات متعددة التخصصات، والتركيز على اكتساب المؤهلات الأساسية.

علاوة على ذلك، تتعاون الوزارة مع الجامعات لإنشاء آليات داخلية لضمان الجودة لتأكيد فعالية تنفيذ المناهج الدراسية. ويشمل ذلك عمليات التقييم والتحسين المستمر، وجمع آراء الطلاب، والمواءمة مع الاحتياجات المتطورة للمجتمع والصناعات.

ولقد حُدِثَت المناهج الدراسية في جامعات كوردستان. توفر الجامعة للطلاب تعليماً شاملاً يؤهلهم لمواجهة تحديات العالم الحقيقي من خلال دمج التقنيات الجديدة والمناهج متعددة التخصصات والتطبيقات العملية. وينصب التركيز على دمج المعرفة النظرية مع الخبرة العملية، وتمكين الطلاب من التفكير النقدي وتطبيق مهاراتهم بشكل فعال. وعلى سبيل المثال أضافت جامعة جيهان-أربيل ساعات إضافية للمواد العملية في محاولة لتخريج خريجين يمتلكون معرفة ليست نظرية فحسب، وإنَّما مسنودةً المهارات العملية والخبرات اللازمة للنجاح في مساراتهم المهنية التي سلكوها.


التعاون مع الجامعات العالمية

إدراكًا لقيمة التعرض الدولي، عزز نظام التعليم في كوردستان الشراكات مع الجامعات الشهيرة في جميع أنحاء العالم. تسهل عمليات التعاون هذه برامج تبادل الطلاب، ومبادرات البحث المشتركة، وإفادة أفضل الممارسات. ومن خلال هذه الروابط، يكتسب الطلاب منظوراً عالمياً وتنوعاً ثقافياً ووصولٌ ميسورٌ إلى مجموعة واسعة من الموارد التعليمية.


الاعتماد الدولي

لقد أثر التعاون الدولي أيَّما تأثير على النظام التعليمي في جامعة كوردستان، إذ أتاح الوصول إلى الخبرات العالمية والموارد والتنوع الثقافي. وقد عززت هذه الشراكات المناهج الدراسية ومنهجيات التدريس والتعاون البحثي. وقد اكتسب الطلاب تعرضاً دولياً قيماً من خلال برامج التبادل، وتوسيع وجهات نظرهم وتحسين فرص عملهم. على سبيل المثال، دخلت الجامعة الأمريكية في العراق، السليمانية، في شراكة مع Acuity International لإطلاق حملة للمنح الدراسية للطلاب لتعزيز الفرص الدولية. بالإضافة إلى ذلك، أدى التعاون بين جامعة جيهان وجامعة ماستريخت وجامعة وارسو لعلوم الحياة إلى إثراء بيئة التعلم وتعزيز التميز الأكاديمي والابتكار والتبادل الثقافي. ويستفيد الطلاب من الرؤى والآفاق العالمية، وفرص تعليميةً أفضل، وزيادة فرص الحصول على عمل. تعمل هذه التعاونات على رفع سمعة المؤسسات وتساهم في التقدم الشامل لنظام التعليم في كوردستان.

ولقد قطعت جامعات كوردستان خطوات كبيرة في الحصول على الاعتماد الدولي من المنظمات المرموقة مثل الوكالة المركزية الألمانية للتقييم واعتماد الدرجات العلمية (ZEVA) وخدمة الاعتماد للكليات الدولية (ASIC) والاتحاد الدولي للجامعات وغيرها. تؤكد هذه الاعتمادات التزام الجامعات بمعايير الجودة العالية وتضمن أن برامجها ودرجاتها معترف بها عالمياً. يوضح الاعتماد من قبل ZEVA وASIC والهيئات المعترف بها الأخرى التزام الجامعات بتوفير تعليم ممتاز وتلبية المعايير الدولية. تتضمن عملية الاعتماد تقييماً صارماً للمعايير الأكاديمية للمؤسسات ومؤهلات أعضاء الهيئات التدريسية والمناهج الدراسية والبنى التحتية. ومن خلال حصولها على الاعتماد الدولي، تقوي جامعات كوردستان سمعتها، وتجذب التدريسين الدوليين، وتزود خريجيها بمؤهلات تحظى بتقدير كبير في سوق العمل العالمي.


خاتمة

يَمُر مشهد التعليم الجامعي في إقليم كوردستان العراق بتحولٍ ملحوظٍ في له مميزات جوهرية مختلفة. إذْ يُنَمي الطلاب عقلية أكثر انفتاحاً ويبحثون عن المهارات العملية وتطبيق المعرفة على أرض الواقع. وتضمن تحديثات المناهج الدراسية توافق البرامج مع المعايير الدولية، مما يعزز التميز الأكاديمي. ويجلب التعاون مع الجامعات الدولية الخبرة العالمية والتنوع الثقافي وفرص البحث إلى جامعات كوردستان. وتزود المراكز المهنية التي أسسها الإقليم الطلاب بالمهارات الأساسية والتوجيه والعلاقات اللازمة للانتقال الناجح إلى سوق العمل. وأخيراً، فإن التركيز على الانتقال من التعليم إلى العمل يسهل اندماج الطلاب بسلاسة في الحياة المهنية. تعكس هذه الجهود الجماعية التزام جامعات كوردستان بالتكيف والازدهار في مشهد تعليمي دائم التطور، وإعداد الطلاب لمستقبل عالمي تنافسي.


More Arabic Articles

تمكين المَرأة في الإقتصاد الرقمي العراقي: مُبادرة "She Codes Too"

غدت المعرفة بالأمور الرقمية أمراً لا بد منه لسلك دروب عالمنا الحديث في مجتمعنا سريع التطوّر اليوم. ومع تَزايد اعتماد مُجتمعاتنا واقتصاداتنا... read more

مقابلة مع الدكتور حسن الخطيب

الدكتور الخطيب هو المستشار الاستراتيجي لرئيس وزراء العراق في كل شيء رقمي. وهو منصب يرفده بعقودٍ من الخبرة في مجال التكنولوجيا في... read more

استثمر في كوردستان: نظرة عامة على القطاعات ذات الأولوية

إقليم كوردستان العراق هو إقليمٌ يتمتع بالحكم الذاتي يقع في الجزء الشمالي من العراق، وله موقع استراتيجي مهمٌ عند التقاء أوروبا وآسيا... read more

تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إقليم كوردستان: نظرة عامة على المهارات الرقمية والقطاعات وفرص الاستثمار

يقع إقليم كوردستان في شمال العراق ويضم أربع محافظات هي دهوك، والسليمانية، وحلبجة، وأربيل، والأخيرة هي عاصمته. تمتد هذه المحافظات مجتمعة على... read more

تحول التعليم الجامعي في كوردستان العراق: اجتياز العقبات وتبني التغيير الإيجابي

واجه التعليم في إقليم كوردستان العراق العديد من التحديات في الماضي، لكنه أيضاً شهد تحولاً مطرداً في السنوات الأخيرة. لقد أدرك الإقليم... read more

Posted in on Monday, 19th February, 2024