مقابلة لمجلة بزنس لاندسكيب


ميثم سعد

المؤسس والرئيس التنفيذي، برحيّة


ميثم سعد هو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة برحيّة، وهي علامة تجارية عراقية مقرها في البصرة تقدّم مجموعة مختارة من منتجات التمور العراقية الفاخرة. بنا ميثم سيرته المهنية في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومن بعد ذلك انتقل ليستكشف صناعة الأغذية في العراق وأسس شركته الناشئة برحيّة. أخبر السيد ميثم مجلة بزنس لاندسكيب عن القصة وراء برحيّة وتطوراتها وتحديات السوق المشّبعة بالاستيراد، وتأثير تغير المناخ على أعمال تصنيع الأغذية، وعن ما يخبّئهُ المستقبل في طياتهِ للشركة كعلامة تجارية يمكن أن توصل قصة العراق للعالم.


نود لو نبدأ بمقدمة عنك وعن قصة برحيّة.

اسمي ميثم سعد، ولدتُ في البصرة وغادرت العراق إلى ليبيا في عام 1995 لأُكمل دراستي وحصلت على البكالوريوس في هندسة الحاسوب. عملت لفترة طويلة مع سيسكو ومايكروسوفت في الشبكات، ثم عملت في إدارة البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات مع شركات أردنية مثل E-Tech Systems و Optimiza وشركات دولية أخرى لها فروع في ليبيا. ثم عدت إلى العراق في عام 2009، حيث أسست أول شركة تكنولوجيا معلومات خاصة بي، وكانت شركةً توفر الإنترنت لقطاع النفط والغاز في البصرة. كنا وكلاء تجاريين لـ Xerox و Dell و Lenovo و HP. وقد عملنا في العديد من المشاريع بما في ذلك المشاريع التنفيذية مثل الدوائر التلفزية المغلقة وأنظمة الأمن. حصلت على درجة الماجستير في التسويق في لندن عام 2017 وبدأت في تطوير مهاراتي في التسويق.

بعد أن أخذ قطاع النفط والغاز في عام 2018 بالتراجع، وتراجع معه عملنا، قررت أن أغامر في مجال مختلف وأنشأت برحيّة في أيار من عام 2018. كانت فكرة المشروع هي سد حاجة السوق إلى هدايا متميزة تنقل ثقافة العراق. فقد لاحظت أن دول الخليج، التي لا يضاهي إنتاجها من التمور ما ينتجه العراق، مهتمة جداً بتعليب هذه المنتجات وتسويقها. كانت الفكرة الأساسية هي شراء التمر المكبوس وخاصة نوع البرحي، وخلطه مع المكسرات وفق وصفة مدروسة بدقة، وتعبئته في عُلب مستوحاة من النقوش الآشورية والبابلية ومصممة خصيصاً لتعكس ثقافة العراق وتراثه. استلهمنا اسم "برحيّة" من نخيل البرحي الذي ينتج أحد أفضل أنواع التمور من حيث النكهة والقيمة الغذائية ويعتبر صنفاً عراقياً خالصاً.


لا بُدَ من أنّ القفزة من قطاع تكنولوجيا المعلومات إلى صناعة الأغذية كانت صعبة. هلّا أخبرتنا عن هذه الانتقالة، وما التحديات التي واجهتها في صناعة الأغذية؟

لم يكن التحوّل سهلاً، لا سيما أنّ القطاعين مختلفين للغاية. أبقيت شركة تكنولوجيا المعلومات تعمل وتقدم الخدمات لكن على نطاق أقل. قررت أن أتبع شغفي وبحثت بدقة في قطاع تصنيع المواد الغذائية وركزت على الأعمال الجديدة واحتياجات السوق والعملاء.

لقد تراجعت صناعة الأغذية في العراق ما قبل عام 2003 بسبب الحالة السياسية والاقتصادية للبلد وعدم توفر المواد الخام بسبب الحظر الذي طوق البلد حينها. أما بعد عام 2003، بدأت البلدان المصدرة المجاورة في التنافس داخل السوق حتى اكتظت بمجموعة متنوعة من المنتجات. وبالتالي، لم يشعر أحد بالحاجة إلى تصنيع أي شيء لأن السوق مُشبعةٌ بالفعل بمنتجات متنوعة بأسعار تنافسية.

بالإضافة إلى ذلك، تواجه الشركات المحلية عديداً من التحديات، بدءاً من العملية المعقدة للحصول على ترخيص من قسم التنمية الصناعية للعمل والعملية الشاقة لتسجيل العلامات التجارية. تشمل التحديات الأخرى نقص المواد الخام وصعوبة تشغيل الآلات بسبب عدم توفر كهرباءٍ مستقرة ومصادر الطاقة والمياه النظيفة. من ناحية أخرى، يمثل العثور على الموارد البشرية ذات الخبرة في هذا القطاع حجرَ عثرة لأنه كان خاملاً منذ عقود خلتْ. وبالتالي، فإن عملية التصنيع غير مجدية من ناحية التكاليف المطلوبة، لا سيما بالنظر إلى أن المنتجات المستوردة تقدم أسعاراً أفضل. لذلك تدَنَى مستوى القطاع الصناعي، وتوقفت عديدٌ من المصانع في القطاعين العام والخاص عن العمل، وتوقف الإنتاج. لكن مؤخراً، صار هذا القطاع أنشط وأكثر حيويةً. نشهد اليوم ولاء المستهلك العراقي للمنتجات العراقية، ولا سيما تلك التي جودتها عالية. وآمل أن يحقق العراق الاكتفاء الذاتي ويعتمد على منتجه المحلي لسد حاجته ويعود بلداً مصدراً. 


كيف نتغلب على هذه العقبات كي تنمو الشركات المحلية وتتمكن الشركات الناشئة من دخول هذا القطاع؟ وما هي الجهات المعنية التي يمكن أن تضطلع في تذليل هذه العقبات؟

تقع هذه المسؤولية على عاتق عدة أطراف، بما في ذلك مؤسسو الشركات الناشئة ورجال الأعمال. وينبغي أن يكون منظمو المشاريع مستعدين لمواجهة تحديات وصعوبات بيئة الأعمال وأن تكون لديهم المطاولة للتغلب عليها. يجب أن يؤمنوا أيضاً بالفكرة أو المنتج الذي يعملون عليه. وإنّ للحكومة دور مهم في تيسير الأمور للأعمال التجارية، سواء في إصدار الإعفاء الضريبي أو الكمركي، وتوظيف العمال في تخصصات معينة وتسجيل العلامات التجارية. علاوة على ذلك، فإن تحديث القوانين واللوائح ضروري لإحياء هذه الصناعة. يمكن أن يستغرق إجراء بسيط كتسجيل منتجات جديدة برموز شريطية وعلامات تجارية دولية شهوراً في العراق مقارنة ببضعة أيام فقط في بلدان أخرى.

علاوة على ذلك، فإن للقطاع المصرفي دور حاسم، حيث لا يمكن تأسيس أي نشاط تجاري دون موافقة البنك المركزي، الّذي يمكنه تسهيل العملية من خلال التمييز بوضوح بين التجار ورجال الصناعة إذْ يُخرج التُجار العملة المحلية خارج البلد عند استيراد المنتجات من البلدان الأخرى، في حين يحافظ رجال الصناعة عليها داخل البلد، ولذا يجب أن يتلقوا مزيداً من الدعم من المصارف. يمكن أن يكون هذا الدعم قروضاً مدروسة بعناية تقدم فقط للشركات المسجلة قانونياً. يجب أن يتظافر كل أصحاب المصلحة كي تسير عجلة الصناعة على المسار الصحيح. وإلا فإن تنمية هذا القطاع ستكون صعبة، وسيظل اقتصاد العراق مُتكِلاً على الاستيراد. 


كيف تتميز برحيّة عن منافسيها من المنتجات المستوردة في السوق؟ 

تتميز برحيّة عن غيرها من المنافسين في السوق بهويتها المحلية العراقية، كما أنّها أصبحت الهدية العراقية الفاخرة. لقد أنشأنا اسم علامتنا التجارية داخل السوق من خلال قصتنا وجودة منتجاتنا وتصميم تعليبنا الحديث المستلهم من الثقافة العراقية، فنجحنا بفضل كل هذه الميزات في نسج علاقة قوية مع مستهلكينا.

أمّا بالنسبة للمنتجات الأخرى في السوق، فإن المنافسة عالية. هناك نقص في الرقابة واللوائح على الحدود والمنتجات المستوردة. يجب أن تُسَن قوانين واضحة تحمي المنتجات العراقية من خلال التقليل من دخول السلع المستوردة. إن وجود مثل هذه القوانين من شأنه أن يحفز الشركات المحلية على زيادة إنتاجها لتلبية احتياجات السوق. وإذا واصلنا الاعتماد على المنتجات المستوردة، فلن يكون هناك أي تطور في الإنتاج المحلي للبلد. 


كيف يؤثر تغير المناخ على عملك في صناعة إنتاج الأغذية؟ وهل يؤثر على الصناعات الأخرى أيضاً؟

لقد نشطت صناعة إنتاج تمور النخيل خلال السنوات السابقة رغم عوامل تغيُر المناخ، فالنخلة تستطيع الصمود والبقاء على قيد الحياة في مناخات عالية الحرارة. أما بالنسبة لبرحيّة، فإن حجم إنتاجنا ما زال لم يتوسع لدرجةٍ يكون فيها إنتاج بساتين النخيل غير كافٍ لتلبية طلبنا، إذ يقتصر إنتاجنا على 3 أو 4 أطنان في الشهر فقط، لذلك، لم يكن لهذه التغييرات على إنتاجنا تأثيراً يُذكر. أما بالنسبة للشركات الأخرى في قطاع تصنيع الأغذية، فقد أثر تغير المناخ على العديد من المزارع، وخاصة مزارع القمح والشعير ومثيلاتها من المحاصيل الرئيسية. ويتفاقم ضرر هذا التأثير بسبب أساليب الزراعة والري غير المستدامة وعدم اتخاذ إجراءات لمكافحة أزمة تغير المناخ.


نود لو نعرف المزيد عن رحلتك إلى عالم ريادة الأعمال ومشاركتك في ScaleUp Academy، وتأثيرها على نمو برحيّة؟

يحتاج أي مشروع ريادي إلى تطويرٍ وإعادة تقييم مستمرين لتوسيع نطاق تشغيله. نؤمن في برحيّة بالتنمية والتدريب المستمرين لرأسمالنا البشري وينبع هذا من إيماننا بأنه لبناء عمل ناجح، نحتاج إلى تطوير مهارات فريقنا. زودتنا ScaleUp Academy بالأساس المناسب للنمو وأدوات توسيع وتطوير نموذج أعمالنا. ساعدنا البرنامج أيضاً في تطوير رؤيتنا ومعاييرنا لتلبية المعايير الدولية. تهدف برحيّة اليوم إلى أن تكون معروفةً عالمياً. وبالتالي، لدينا فرعان تجاريان، هما المصنع والمقهى. أنشأنا سلسلة مقاهي في عدة محافظات عراقية ونتطلع إلى التوسع إلى دول أخرى. يحتوي فرع المصنع أيضاً على خطوط أعمال متنوعة تخدم العملاء والشركات والحكومة. 


كيف أثّرَ كأس الخليج على برحيّة كعلامة تجارية عراقية؟ خاصة وأن مقر برحيّة يقع في البصرة، حيث أقيمت البطولة.

قدمت كأس الخليج فرصة كبيرة، لا لبرحيّة فحسب ولكن للبصرة والعراق ككل. لقد غيرت نظرة العالم لبلدنا والاعتقاد الخاطئ بأن الأمن غير مستتب وأننا ما زلنا نعاني من آثار الحرب. أثبتت كأس الخليج أن العراق يمكن أن يكون عامل جذب للسياحة وأن الشركات المحلية تعمل على مستوى يسمح لها بالمنافسة الإقليمية.

لقد أحب عملاؤنا من دول الخليج منتجاتنا، خاصة أن التمور العراقية تشتهر بجودتها الممتازة، وأرادوا مغادرة العراق بهدايا تصوّر قصة من العراق. نُزيِنُ علبنا لوحات حصرية لمختلف الفنانين العراقيين المشهورين، مثل محمد غني حكمت وجواد سليم، مما يميزها عن غيرها. لقد قدمت كأس الخليج قفزة نوعية لبرحيّة وتجربة مباشرة لعملائنا الأجانب لتجربة منتجاتنا في مقاهينا، والتي بدأنا محادثات متعددة حول إطلاق سلسلة منها في دول خليجية أخرى، مثل قطر والسعودية والكويت. ونأمل أن تتاح للعراق فرص أخرى كثيرة لاستضافة وتنظيم هذه الفعاليات التي ستشجع الأعمال التجارية المحلية وتشجع السياحة.


ما هي الخطط المستقبلية لبرحيّة؟

ستعمل أيّ شركة على التوسع والتطوير عند الوصول إلى مستوى معين يتطلب الاستثمار. نأمل أن نكون مستعدين بعد تخرجنا من ScaleUp Academy لزيادة الاستثمارات. نخطط للسنوات القادمة أن نفتح فروعاً في مناطق أربعة مهمة معروفة بعلاماتها التجارية الفاخرة، هي طوكيو ونيويورك وزيورخ ودبي، ونتطلع لتصدير منتجاتنا على نطاق أوسع بكثير. نعمل اليوم  مع خمس سفارات عراقية تستخدم برحيّة كهدايا دبلوماسية، ومع ذلك، فإننا نطمح إلى العمل مع جميع السفارات العراقية حتى تصبح برحيّة الهدية الرسمية للعراق. 


More Arabic Articles

استثمر في كوردستان: نظرة عامة على القطاعات ذات الأولوية

إقليم كوردستان العراق هو إقليمٌ يتمتع بالحكم الذاتي يقع في الجزء الشمالي من العراق، وله موقع استراتيجي مهمٌ عند التقاء أوروبا وآسيا... read more

تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إقليم كوردستان: نظرة عامة على المهارات الرقمية والقطاعات وفرص الاستثمار

يقع إقليم كوردستان في شمال العراق ويضم أربع محافظات هي دهوك، والسليمانية، وحلبجة، وأربيل، والأخيرة هي عاصمته. تمتد هذه المحافظات مجتمعة على... read more

تحول التعليم الجامعي في كوردستان العراق: اجتياز العقبات وتبني التغيير الإيجابي

واجه التعليم في إقليم كوردستان العراق العديد من التحديات في الماضي، لكنه أيضاً شهد تحولاً مطرداً في السنوات الأخيرة. لقد أدرك الإقليم... read more

أدوار جامعية رائدة: الجامعة الأمريكية في السليمانية تقود المشاركة الجامعية في تطور ريادة الأعمال في العراق

في عصر التقدم التكنولوجي السريع والتواصل العالمي، عادة ما يتردد على أسماعنا مصطلح "ريادة الأعمال" في قاعات التجارة والأعمال، هذه الكلمة الرنّانة،... read more

تشكيل الغد: إعداد الشباب العراقي لسوق العمل

"الأمة التي لا تفكر بالشباب هي أُمةٌ تخطط للانتحار." لا شك بأن الشباب هم قادة المستقبل، وإنَّ عدم إشراكهم واحترام دورهم في... read more

مجموعة جيهان: نسج تراث من الابتكار في مُختَلَف القطاعات

تُعدُّ مجموعة جيهان من شركات التصنيع الرائدة في إقليم كوردستان العراق، وقد نَمَت على مدى العقود المنصرمة منذ بداياتها الأولى في صناعة... read more

Posted in on Tuesday, 13th June, 2023