مقابلة لمجلة بزنس لاندسكيب


محمد الحكيم

مستثمر ومستشار ومؤسس فدشي و EQIQ

محمد الحكيم هو مؤسس EQIQ، وهو صندوق لرأس المال المُخاطر يركز على تعزيز بيئة الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا العراقية، وهو أيضاً مؤسس فدشي، وهي منصة للتجارة الاجتماعية تهدف إلى إحداثِ ثورةٍ في تجربة التسوق في العراق. يتمتع السيد الحكيم بما يقرب من 20 عاماً من الخبرة في الإدارة والمصارف والاستثمار. وقد أسس وأدار العديد من الشركات، بما في ذلك RiverStream ومصرف زين، كما تولى منصب المدير القطري لكل من كريم العراق في العراق والأردن.

يحدثنا السيد محمد الحكيم في هذه المقابلة عن منصة التجارة الاجتماعية، فدشي، ويسلط الضوء على فجوة السوق التي تهدف فدشي إلى ملأها. ثم يسرد لنا رحلته في إنشاء صندوق رأس المال المخاطر الخاص به، EQIQ، والتحديات التي تغلب عليها في الطريق. وأخيراً يضع بين يدينا تحليلاً متعمقاً لقطاع التجارة الإلكترونية في العراق. علاوة على ذلك، يتأمل في خبرته الممتدة لعقد من الزمن في بيئة الأعمال العراقية ويشاركنا رؤيته للمستقبل.


هل يمكنك تزويدنا بلمحة عن حياتك المهنية؟ 

بدأت مسيرتي المهنية في وقت مبكر وتخللتها العديد من المشاريع المختلفة، وبعض النجاحات المتوسطة، والعديد من الإخفاقات القيمة التي تعلمت منها. لقد أطلقت مشروعي الأول في مجال التكنولوجيا عندما كان عمري 15 عاماً، لذلك مرت 20 عاماً منذ ذلك الحين. كما أطلقت مشروعين آخرين قبل تخرجي من الجامعة، أحدهما في سن 17 والآخر في سن 19. بعد التخرج من كلية لندن الجامعية بدرجة البكالوريوس في الاقتصاد، بدأت مسيرتي المهنية في الخدمات المصرفية الاستثمارية مع Goldman Sachs في عام 2010. مكثت مع هذه الأخيرة لزهاء 3 سنوات قبل الانضمام إلى شركة استثمار في الأسهم الخاصة تستثمر في العقارات التجارية. في عام 2014، قررت العودة إلى العراق لبناء عملي الخاص. في البداية أسست شركة استثمارية تركز على فرص التسويق عبر الإنترنت والعملاء في العراق تحت اسم Riverstream. شاركت لاحقاً في تأسيس شركة Ideal Payments، وهي مزود خدمة الدفع الإلكتروني مع التركيز على المحافظ الرقمية، ثم شاركت في تأسيس مصرف زين، الذي شرع بحجز مكانه كأول مصرفٍ رقميٍ في العراق. كما ساعدت في تأسيس شركة كريم في العراق وتوسيع نطاقها في عام 2018 كمدير عام، ثم تسنمت منصب المدير العام لشركة كريم الأردن في عام 2020. بحلول خريف عام 2021، غادرت شركة كريم لأشرع في بناء صندوق رأس المال المخاطر الخاص بي، EQIQ، وشركة التجارة الاجتماعية الناشئة "فدشي".


كيف كانت رحلة تأسيس صندوق رأس المال المخاطر، وما هي احتياجات السوق التي حددتها؟

أردنا بناء صندوق رأس مال مخاطر في العراق نظراً لأن هذا المجال هو السوق الذي نركز عليه، وأيضاً سعياً منا لإطلاق بيئة الأعمال هنا. كان إنشاء هذا الصندوق أمراً عسيراً بسبب افتقار العراق لنظام تمويل يستند عليه، وبالتالي، يضطرك هذا تأسيسه خارج البلاد. علاوة على ذلك، قد تعيق بعض اللوائح قدرتك على التسجيل في بلد مختلف والعمل من هناك. على سبيل المثال، سُنَ قانونٌ في عام 2019 يحظر على الكيانات الأجنبية امتلاك أكثر من 49٪ من الكيانات المحلية. واضطررنا للعمل على الهيكلة كثيراً لتجنب هذه المشكلة إذ أنَنا أسسنا صندوق رأس المال المخاطر في سوق أبوظبي العالمي. ومع ذلك، تمكنا من إعداده وجمع 15 مليون دولار من التمويل، بعد إغلاق الجولة الأولى من التمويل في كانون الثاني 2023. ونحن الآن على الطريق لجمع 15 مليون دولار أخرى ليصل حجم الصندوق إلى 30 مليون دولار.

فيما يتعلق بالسوق، نعتقد أن بيئة الأعمال العراقية تمر بمرحلة لا يوجد فيها رأس مال كافٍ لخلق الفرص، وفي الوقت ذاته، يجب أن يكون هناك المزيد من الفرص لخلق الطلب على رأس المال ليكون موجوداً. إنها معضلة الدجاجة والبيضة ومن يجيء أولاً، رأس المال أم الفرص؟ أعتقد أن رأس المال والفرص يجب أن يجتمعان في الوقت ذاته، ولكن إذا سمحنا بحدوث ذلك بشكل طبيعي، فقد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً.

إنَّ السوق جذاب على الورق، وفي الوقت ذاته يُعَدُّ العراق اقتصاداً مفتوحاً، ممّا يعني أن شركات التكنولوجيا الإقليمية الكبيرة ستسعى لدخول السوق مع استقرار الوضع السياسي في البلاد. سيكونون قادرين على الدخول والسيطرة على السوق بمنتجهم نظراً لمواردهم وخبراتهم وسجلهم الحافل. إذا كان الهدف هو وجود عدد قليل من الشركات العراقية التي قد تكون قادرة على المنافسة وبالتالي أيضاً بيئة أعمال حيَّة، فقد حان الوقت لبنائها الآن. وإلا فقد يكون قد فات الأوان، وقد ينتهي بنا الأمر باللعب على هامش بيئة الأعمال، ونفقد الفرص في قطاعات مهمة كبيرة.

من وجهة نظرنا، لا نرى أن الفرص في بيئة الأعمال التكنولوجية في العراق فرصاً قصيرة المدى، ونظن أننا سنقبع فيها على المدى الطويل. عمر الصندوق من 8 إلى 10 سنوات، والمبلغ المالي الذي نهدف إلى رفع الصندوق إليه هو 30 مليون دولار، موزعة على مدى السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة. بينما نحن فيه على المدى الطويل، فإننا لا نقف مكتوفي الأيدي أمام نمو بيئة الأعمال. منذ أن بدأنا في أيلول 2021 وحتى اليوم، لم ننتظر فقط جمع الأموال. لقد بدأنا بالفعل في بناء مشروعنا الأول، وهو منصة للتجارة الاجتماعية تسمى فدشي، والتي أطلقناها قبل عام ونصف.


هل يمكننا معرفة المزيد عن EQIQ؟

EQIQ هو صندوق رأس مال مخاطر يركز على الاستثمارات في الشركات التكنولوجية الناشئة في العراق. يقع مقره في الإمارات العربية المتحدة، بالتحديد في سوق أبو ظبي العالمي. نحن نعمل في العراق مباشرة من خلال شركة محلية. تعمل EQIQ كصندوق يستثمر في الشركات التقنية الناشئة وكمنشئ مشاريع يبني الشركات الناشئة. وهو مزيج بين صندوق رأس المال المخاطر ومنشئ المشاريع. مهمتنا هي إطلاق بيئة الأعمال التكنولوجية في العراق من خلال إعداد أبطال من أبناء البلد يخدمون احتياجات جميع العراقيين ويكبرون من خلال توفير تجربة عميل يومية مُرْضية ومريحة للناس. 


ما هي القطاعات التي تركز عليها؟

لدينا استراتيجية خاصة بكل قطاع، تركز على عدد قليل من القطاعات، مثل التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية والمدفوعات وغيرها من الأعمال الاستهلاكية اليومية. نحن نميل إلى إجراء بحث مكثف حول القطاعات التي نهتم بها. إذا وجدنا فرصاً جيدة قيد التشغيل بالفعل، فإننا نذهب لانتهاز هذه الفرص. إذا لم نفعل ذلك، فقد نقرر الجمع بين مفهوم ما وبناء فريق وتخصيص موارد والسعي وراء هذه الفرصة بأنفسنا. وعلى الجانب الآخر خصصنا أيضاً جزءاً من رأس مالنا لتدفق الصفقات، أي صفقات جذابة في قطاعات أخرى قد تأتي في طريقنا. نتحرك على كلا الجانبين، ونحاول أن نكون منفتحين، وندرج أي فرصة سانحة. نحن نعلم أيضاً أننا لسنا المستثمرين الوحيدين الذين ينظرون إلى تلك القطاعات في العراق، وبالتالي، نحاول أن تكون لدينا عقلية الشراكة لجمع اللاعبين معاً. هناك العديد من اللاعبين المتنافسين في تلك القطاعات على أرض الواقع، ومع ذلك فإن السوق كبير بما يكفي للعديد من المنافسين ولكن ليس العديد من الناجين. 


هل يمكنك إخبارنا المزيد عن فدشي؟ ونموذج أعمالها؟

فدشي هو مثالٌ واضح لاستراتيجية EQIQ. كما ذكرت، ندرس القطاعات التي نجدها مثيرة للاهتمام بحثاً عن الفرص. إذا لم نجد أي فرص كبيرة، فإننا نصنعها بأنفسنا. في التجارة الإلكترونية، وجدنا أن الفرصة تكمن في التجارة الاجتماعية فأسسنا فدشي.

نحن اليوم أكبر منصة للتجارة الإلكترونية في العراق من حيث عدد الطلبات اليومية. إذ نخدم البائعين الذين يبيعون مباشرة للعملاء على منصات التواصل الاجتماعي. ونوَفِرُ لهم منصة رقمية مدعومةٌ بإدارة للدليل (الكتالوج) والطلب والإدارة المالية، ومنتجات بأسعار الجملة، وخدمات أخرى مثل المخازن والاستيفاء والتوصيل وخدمة العملاء.

لا يتعين على بائعي فدشي دفع أي شيء مقابل المنتجات، فنحن نشتري المنتجات ونُخزنها ونصورها وندرجها في المنصة وننشئ المحتوى، سواء كانت مقاطع فيديو أو أوصافاً، ثم نعرض المنتجات بسعر الجملة. كما نقدم نطاقاً سعرياً لأسعار التجزئة التي يبيعون بها المنتجات للعملاء؛ يمكن لكل موزع بيع هذا المنتج ضمن النطاق السعري الذي يرغب به. يتحمل البائعون مسؤولية تسويق المنتجات والترويج لها على صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو المتاجر عبر الإنترنت. بمجرد استلام الطلبات، يرسلونها من خلال التطبيق بدون دفع. نتلقى الطلبات في فدشي، ونُكمل عمليات التنفيذ والتوصيل، وعند التسليم نستحصل المدفوعات من العميل. ثم نشرع في تسديد أرباح الموزع.


ما هي الفرصة التي وجدتها في قطاع التجارة الإلكترونية التي دفعتك لإنشاء منصة للتجارة الاجتماعية؟

عندما درسنا السوق بالتفصيل، وجدنا أنّ العديد من الأشخاص كانوا يتبعون نموذج أمازون وغيرها من منصات التجارة الإلكترونية البارزة في الولايات المتحدة وأوروبا ويتوقعون أن تعمل هذه النماذج في العراق. ومع ذلك، فإن العراق سوقٌ مخصص للغاية. لم يكن العراق مرتبطاً بالإنترنت حتى عام 2003. وعندما انتشر الإنترنت وصار هو الأساس، شاع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء البلاد بقوة. لذا فإن ثقافة الإنترنت لدينا تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي. أثناء التواجد في الولايات المتحدة وأوروبا، كان الإنترنت متاحاً قبل فترة طويلة من ظهور وسائل التواصل الاجتماعي. تختلف البيئة التي بنيت فيها أمازون خلال التسعينيات في الولايات المتحدة عن البيئة الحالية في العراق. إن لكل بلد مسار تنموي مختلف، لذا فإن نسخ نموذج أمازون ليس بالضرورة الاستراتيجية الصحيحة للعراق.

الافتراض العام للسوق العراقي هو أن قطاع التجارة الإلكترونية صغير حالياً ولكنه سينمو في النهاية ويحفز أعمال العديد من الأشخاص على النمو أيضاً. ومع ذلك، عندما أجرينا بحثنا، اكتشفنا أن هذا الافتراض غير دقيق، إذ يعَدُّ قطاع التجارة الإلكترونية كبيراً بالفعل، فقد بلغ إجمالي حجمه 3 مليارات دولار في عام 2020 وما يقدر بـ 500,000 أو 600,000 طلب تجارة إلكترونية يومياً. 

ومع ذلك، فإن سوق التجارة الإلكترونية مجزأةٌ بين العديد من التجار المختلفين، ولا أحد يمتلك السوق أو قنوات البيع. تشير تقديراتنا إلى أن ما يقرب من 40,000 بائع وتاجر موجودون على فيسبوك وانستغرام ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى يبيعون مباشرة للعملاء.

قررنا خدمة الموزعين في السوق بطريقة أفضل بدلاً من إطلاق منصة تحول العملاء من الاستهلاك على وسائل التواصل الاجتماعي إلى الاستهلاك على المنصة ومحاولة استئثار قناة المبيعات وتوحيدها. لقد بحثنا في تجربة التجار ومشكلاتهم وانتهى بنا الأمر بقائمة من التحديات، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر التوريد والتخزين والاستيفاء والتوصيل وتحصيل النقد والإرجاع والرفض. ونتيجة لذلك، أسسنا فدشي كمنصة لتقديم هذه الخدمات للبائعين الذين يبيعون مباشرة لعملائهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

لم نر حاجة للذهاب إلى منصة تشبه أمازون تتقاضى 15٪ أو 20٪ لعرض منتجات التاجر عبر الإنترنت عندما يكون هناك عدد أكبر من العملاء على انستغرام وتيك توك و فيسبوك مقارنة بأي منصة أخرى. وضع هذا الاستنتاج الأساس لمفهومنا. 


هل التجارة الاجتماعية شائعة في العراق لأن عمليات الشراء تجري عفوياً أو بسبب هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي عند دخول الإنترنت للمرة الأولى للبلد؟

بالنظر إلى مشهد التسوق التقليدي الذي يجري خارج الشبكة العنكبوتية، فإن ارتياد مركز التسوق لا يتعلق فقط بإجراء عمليات شراء. يتردد الناس على مراكز التسوق للترفيه والطعام وقضاء الوقت مع الأصدقاء وحتى كملاذ من الطقس الحار. وبالتالي يمكن للمرء أن يدخل إلى مركز تسوق دون أن يفكر في أي شيء بشأن التسوق ولكن يغادر مع الحقائب في يديه بعد اكتشاف اغراض جذابة في نوافذ المتجر. إنّ التسوق أمر اندفاعي - فهو لا يعتمد بالضرورة على الاحتياجات المنزلية. في بعض الأحيان، يلفت انتباهك عنصر جذاب ذو سعر معقول، مما يزيد من رغبتك لشرائه. الندم اللاحق ممكن، لكن قرار الشراء اندفاعي. 

يشير المزيد من الاستكشاف والأبحاث الخاصة بنا إلى أن التسوق الاندفاعي يشكل 75٪ من إجمالي سلوك المستهلك، في حين أن الـ 25٪ المتبقية مدفوعة باحتياجات محددة. لا يوجد شيء على الإنترنت يكرر هذه التجربة، باستثناء وسائل التواصل الاجتماعي. عندما تكون على فيسبوك، فإن الهدف الأساسي ليس شراء المنتجات بل إنه استهلاك المحتوى. وبينما تتصفح المحتوى يظهر أمامك اعلان يؤدي إلى عملية شراء عفوية. نحن نؤمن إيماناً راسخاً بأن التجارة الاجتماعية تمثل مستقبل التجارة الإلكترونية.

يحدث حجم كبير من التجارة الإلكترونية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي في كل مكان في العالم، وليس فقط في العراق. لهذا السبب أطلق فيسبوك سوقاً، ولدى انستغرام ميزة المتجر، ويتجه تيك توك أيضاً لانتهاز هذه الفرصة. لاحظت هذه المنصات العدد الهائل من المعاملات التي تجري من خلالها وقررت الاستفادة من هذه الفرصة. وبطبيعة الحال، عندما تنشئ العلامات التجارية محتوىً وتعلن عن منتجاتها، فإنها تستهدف المستهلكين. ومع ذلك، إذا قمت بإعادة توجيههم واقترحت عليهم الشراء على موقع ويب، فإن ذلك يخلق تجربة سلبية. إذ أنّ المحتوى والدافع كلاهما انبثقا من على منصة واحدة، لكي تتم معاملة الشراء من على منصة أخرى. ولشرح هذا لنأخذ مثالنا أعلاه عن مركز التسوق، فإذا رأىت عنصراً جذاباً في متجر وأردت شرائه ولكن طُلب منك الذهاب إلى جزء مختلف من المدينة للحصول على السلعة، فلن تكتمل عملية الشراء هذه.

لقد عبرنا في العراق أشواطاً كبيرة من حياة قطاع تكنولوجيا المعلومات. فقد أصبحت جميع اتصالات الإنترنت تقريباً محمولة في بلادنا في وقتنا هذا، بينما مرَت بمراحل متتالية في الغرب، بدءاً من اتصال سطح المكتب ثم الاتصال عبر الهاتف الأرضي وبعده خط الهاتف، وفي النهاية جاء النطاق العريض. أما انتقالنا فقد حصل بسرعة متجاوزاً هذه المراحل تماماً. 

وبعد رفع العقوبات في عام 2003، تمكنا من الوصول إلى الإنترنت. ومع ذلك، لم يكتسب انتشار الإنترنت زخماً حتى 2007-2008، مع انتشار واسع النطاق في السنوات الأخيرة، وخاصة الإنترنت عبر الهاتف المحمول. جاء إدخال الجيل الرابع 4G في الشبكة متأخراً في حوالي كانون الثاني 2021. وقد فتح أعيننا على الإنترنت، مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي كقوة مهيمنة وبنية تحتية لتبادل المعلومات. بالنسبة لنا، يعمل فيسبوك كمتصفح ويب. نحن نستخدم فيسبوك للتواصل مع ملايين المتابعين، سواء للتحقق من تقييمات المطاعم أو المناقشات الجماعية قبل الشراء أو للاستفسار عن موضوع معين.

افتراضنا هو أن الشيء ذاته يحدث في التجارة الإلكترونية. نحن لا نستخدم تلك المنصات التي تسرد كل شيء معاً، فهي ليست متجراً شاملاً. لقد أصبحت إمكانية الوصول والبحث أسهل، ويصبح إنشاء المحتوى أمراً سهلاً بعدة طرق وأشكال مختلفة، إذ يساعد المحتوى بمختلف أنواعه مثل الفيديو والبث المباشر والقصة والصورة والرسوم المتحركة على تنويع تجربة التسوق. لا يجب أن تكون موحدة مثل الأشياء الموجودة على منصة التجارة الإلكترونية، حيث ترى وصف المنتج تماماً مثل وصف مليون منتج آخر. هذه ليست الطريقة التي يعمل بها التسوق في الحياة الواقعية. التسوق تجربة ملموسة يتخللها الشعور والرؤية والتفاعل والبحث عن التوصيات. لا يمكن للتجارة الإلكترونية أن تعكس هذه التجربة، بينما تساعدنا وسائل التواصل الاجتماعي على إضفاء الطابع الإنساني على التجربة.


كيف يسهم فدشي في خلق فرص العمل؟

منذ أن بدأنا، وفرنا أكثر من 6,000 فرصة عمل وتوزيع أرباح تزيد عن مليار دينار عراقي على موزعينا. هناك أمثلة لا حصر لها لكيفية دعمنا للشباب لبدء مشاريعهم الخاصة وتوليد الدخل. حقق أحد موزعينا، الذي يبلغ من العمر 18 عاماً فقط، أرباحاً قدرها 40 مليون دينار عراقي في غضون شهرين فقط. نحن نبني هذه المنصة جنباً إلى جنب مع مجموعة من الشباب شديدي الحماس والحنكة والفطنة، إنّهم شبابٌ متعطشون لتطوير أعمالهم وخلق فرصهم وتوفير حياة أفضل لأنفسهم وعائلاتهم.


كيف تطور نموذج فدشي عندما بدأت العمل؟

لدينا نهج تجريبي للغاية في فدشي، لذلك مررنا بالكثير من دورات التجربة والخطأ. لا ندعي أننا نعرف ما نقوم به، لكننا نحب الانطلاق بسرعة، والفشل بسرعة، والتعلم من اخفاقاتنا، والتركيز في عملنا. عندما بدأنا كنا بحاجة إلى اكتساب المعرفة حول ما يمكن أن ينجح وما سيفشل. على سبيل المثال، قررنا البدء بثلاث فئات مختلفة: الأزياء والمكياج والأجهزة المنزلية. ارتأينا أن 40٪ من الكتالوج سيكون في الموضة، و 40٪ في المكياج، و 20٪ في الأجهزة المنزلية. ومع ذلك، كان للسوق كلمته، مما وجهنا نحو الأجهزة المنزلية، وهو تطور غير متوقع علَّمَنا أن نستمع بتواضع إلى السوق. هذه أقصى محطة توصلنا إليها بحوث السوق، إذ تأتي الدروس الجوهرية التي تزيد من تقييمنا من نقاط بيانات السوق.


هل يمكنك إخبارنا عن تجربتك في بناء شركة ناشئة محلية من الصفر في العراق؟ ما أهمية ذلك بالنسبة لبيئة الأعمال العراقية؟

يكمن شغفي في بناء الأشياء. كان عمل ذلك في المشهد العراقي الصعب أمراً عسيراً ومكلفاً. لم يكن المسار الذي اخترته هو الأسهل. على عكس تجربتي في تأسيس الفرع الإقليمي لشركة كريم في العراق، حيث استفدت من الموارد والخبرات الراسخة، كان مشروعنا الناشئ في العراق مشروعاً مختلفاً تماماً. على سبيل المثال، عندما قدمنا كريم إلى العراق، حصلنا على دعم مالي، ومنتج في مرحلة ملاءمة للسوق، ومعرفة من 13 دولة أخرى، وفريق مكون من 1,000 شخص في باكستان ودبي ومصر. وبالتالي، على الرغم من أهميتها، افتقرت هذه التجربة إلى جوهر الشركة الناشئة الحقيقية. على الرغم من أننا غالباً ما نحب أن نسميها شركة ناشئة، إلا أنها في الواقع كانت شركة ناشئة "تتعاطى المنشطات".

مرة أخرى، صحيحٌ أن تجربتي في إطلاق كريم العراق وقيادته كانت هائلة، إلا أنّها افتقرت إلى ثلاثة مكونات حيوية لجعلها تجربة ريادية حقيقية بالنسبة لي وللبلاد على حد سواء. أولاً، أرى أن المنتج الأساسي لشركة تكنولوجية ناشئة هو ملكيتها الفكرية وتقنيتها. عند بناء فرع إقليمي، لم نكن نطور الملكية الفكرية داخل البلاد؛ بل كانت تُطَوَرُ في أماكن أخرى. ومع ذلك، كنا نعمل فقط على تسهيل نشرها. لم نبتكر منتجات تقنية رائدة في العراق. بدلاً من ذلك، استوردنا المنتجات الموجودة.

ثانياً، تزدهر بيئة الأعمال للشركات الناشئة عند إلهام الأفراد ليصبحوا مؤسسين بأنفسهم، مما يخلق تأثيراً مضاعفاً للابتكار والنجاح. لم يعزز فرعنا الإقليمي ذلك. لم نواجه المعارك التي واجهتها الشركات الناشئة غير الناضجة منذ اليوم الأول، المعارك التي تغرس المرونة والابتكار اللازمتين للنمو والاستدامة على المدى الطويل. لقد أنشأنا فئة إدارية ممتازة ولكن ليس بالضرورة فئة ريادية ممتازة في كريم العراق.

ثالثاً، بينما كنا نسير على مسار التحول إلى قوة مهيمنة، أعادت العوامل الخارجية، بما في ذلك المظاهرات والوباء، تشكيل مسارنا. لقد تكيفنا، حتى أننا أصبحنا أسرع فرع لتحقيق الربحية. بمجرد أن حققنا أرباحاً، لم يجري إعادة استثمار هذه الأرباح في العراق ولكن في أماكن أخرى. من وجهة نظر الشركة، كان ذلك منطقياً تماماً. ومع ذلك، فقد اختلف هذا عن هدفي الشخصي، وهو الحاجة إلى إعادة استثمار مواردنا البشرية والمالية في العراق، وليس توجيهها إلى أي مكان آخر.

دفعتني هذه التفاوتات الثلاثة إلى المغادرة والبدء في بناء شركتي المحلية الناشئة، حيث أسعى جاهداً لسد هذه الفجوات. نهدف إلى تطوير الملكية الفكرية في العراق والابتكار وإنشاء منتجات عراقية متميزة يمكن تصديرها. نحن ننشئ طبقة ريادية تختبر صراعات وانتصارات البناء من الألف إلى الياء. والأهم من ذلك، نحن ملتزمون بإعادة استثمار ثمار عملنا مرة أخرى في بلدنا، ورعاية نموه واكتفاءه الذاتي.


من خلال خبرتك الطويلة وانغماسك في بيئة الأعمال، ما هو انعكاسك على المشهد، وإلى أين نتجه؟

لقد كنت فرداً فاعلاً في هذا بيئة الأعمال منذ ما يقرب من عقد من الزمان، مما منحني القدرة على رؤيتها من زوايا مختلفة. عندما أعود خطوة إلى الوراء، وأنظر الى الصورة الكبيرة، وأُعاين إلى السوق ككل، أرى التقدم والتطور والأشخاص النامين، وألاحِظ النضج والإمكانات والفرصة. وعندما أطالِعُ في دقائق الأمور، أرى التحديات والمشاكل والتأخير وفقر الكفاءة. أعتقد أننا نسير في الاتجاه الصحيح، لكن الأمر يستغرق وقتاً طويلاً، ولهذا السبب هناك حاجة لوجود شخص أو مؤسسة للتعامل مع بيئة الأعمال والأخذ بيدها بطريقة أو بأخرى. 

عادةً ما يرسم تطور بيئات الأعمال والصناعات منحنىً مسطحاً في البداية. ثم فجأة تحدث نقطة انعطاف حيث تسير الأمور بسرعة كبيرة. ورغم أننا ما زلنا في هذا الجزء المسطح من المنحنى، إلّا أننا ما زلنا نرتقي شيئاً فشيئاً. وينطبق هذا ليس فقط على سياقنا المحلي ولكن أيضاً على الأسواق المماثلة في المنطقة المجاورة لنا في الأردن وتركيا وإيران. مرت هذه المناطق بمراحلٍ افتقرت لأساسٍ تقف عليه، ومع ذلك فإن صعودها من هناك إلى النشاط الديناميكي حدث بسرعة نسبية، على مدى عقد تقريباً. نتوقع مساراً مشابهاً، من الناحية المثالية خلال العقد المقبل رغم التشكيكات الكثيرة.

لم تدق "ساعة الصفر" بعد، وهذا أمرٌ يصبُ في صالح رواد الأعمال العراقيين. بمجرد أن يحين الأوان، سيتصاعد الزخم، مما يجذب العديد من المشاركين. إن البيئة الاقتصادية المفتوحة والتنافسية تستدعي الفرص والتحديات، خاصة ضد عمالقة التكنولوجيا المعروفين والعلامات التجارية الكبرى. حالياً، يوفر دخول هذه الساحة نافذة مواتية. يحمل المستقبل إمكانات كبيرة. قد يحدث هذا في العقد المقبل أو العام المقبل. هناك شيء واحد مؤكد: أنَّه سيحدث لا محالة.


ما هي النصيحة التي ستشاركها مع رواد الأعمال الذين يخوضون معركتهم في اليوم الأول؟

أود أن أقترح على رواد الأعمال القيام بشيء يتماشى مع غرضهم الخاص، والتركيز على أن يكونوا الأفضل في حل المشكلات، والعمل بجد قدر الإمكان لتحقيق النجاح.

نصيحتي هي أن يقوم رواد الأعمال بشيء يتماشى مع غرضهم ورسالتهم لأنه من الصعب الحفاظ على حماسهم. سيواجه رواد الأعمال الكثير من التحديات، وسيتم اختبار تصميمهم. لذلك، فإن المواءمة بين ما يفعلونه ومهمتهم لن تترك مجالاً للتراجع ولكن الاستمرار في القتال.

لكي يخلق رائد الأعمال القيمة، يجب أن يكون قادراً على حل المشكلات. سيواجهون العديد من التحديات التي تتطلب منهم إيجاد حلول. قد لا تكون الصناعات التقليدية في السوق خبيرة بالتكنولوجيا، لكنها ذكية وسريعة في التعرف على الفرص.

ريادة الأعمال هي نتاج العمل الشاق وساعات العمل الطويلة والتضحيات المتعلقة بالدخل والحياة الشخصية ووقت الأسرة. يجب على رواد الأعمال الذين لا يرغبون في تقديم هذه التضحيات ألا يتبعوا هذا المسار. علاوة على ذلك، من المهم التحلي بالتواضع وقبول الأخطاء واحتضانها والانفتاح على التعلم منها.


هل لديك أي ملاحظات ختامية تود مشاركتها معنا؟

أنا متفائل جداً بشأن مستقبل البلاد والسوق وبيئة الأعمال والشباب. نحن في وضع جيد لتحقيق أشياء عظيمة خلال السنوات القليلة المقبلة. أنا أشجع كل من يجرؤ على محاولة التنقل في هذا بيئة الأعمال بمفرده. على الرغم من أن الفشل يمكن أن يكون مؤلماً، إلا أنه فرصة لإعادة اكتشاف الذات كنسخة أفضل مما كانوا عليه. لقد فشلت عدة مرات لدرجة أنني لست متأكداً من الإصدار الذي أصبحت عليه، لكنني أتطلع إلى الإصدار القادم.


More Arabic Articles

تمكين المَرأة في الإقتصاد الرقمي العراقي: مُبادرة "She Codes Too"

غدت المعرفة بالأمور الرقمية أمراً لا بد منه لسلك دروب عالمنا الحديث في مجتمعنا سريع التطوّر اليوم. ومع تَزايد اعتماد مُجتمعاتنا واقتصاداتنا... read more

مقابلة مع الدكتور حسن الخطيب

الدكتور الخطيب هو المستشار الاستراتيجي لرئيس وزراء العراق في كل شيء رقمي. وهو منصب يرفده بعقودٍ من الخبرة في مجال التكنولوجيا في... read more

استثمر في كوردستان: نظرة عامة على القطاعات ذات الأولوية

إقليم كوردستان العراق هو إقليمٌ يتمتع بالحكم الذاتي يقع في الجزء الشمالي من العراق، وله موقع استراتيجي مهمٌ عند التقاء أوروبا وآسيا... read more

تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إقليم كوردستان: نظرة عامة على المهارات الرقمية والقطاعات وفرص الاستثمار

يقع إقليم كوردستان في شمال العراق ويضم أربع محافظات هي دهوك، والسليمانية، وحلبجة، وأربيل، والأخيرة هي عاصمته. تمتد هذه المحافظات مجتمعة على... read more

تحول التعليم الجامعي في كوردستان العراق: اجتياز العقبات وتبني التغيير الإيجابي

واجه التعليم في إقليم كوردستان العراق العديد من التحديات في الماضي، لكنه أيضاً شهد تحولاً مطرداً في السنوات الأخيرة. لقد أدرك الإقليم... read more

Posted in on Monday, 13th November, 2023