مبادرة ريادة: تعزيز ريادة الأعمال من أجل التقدم الاجتماعي


زيد حبيب

باحث، مركز أعمال كابيتا


من المؤشرات الجيدة للتقدم الاجتماعي والنمو في سياسات التنمية وخططها وبرامجها والمجتمعات المحلية هو مدى الدور الذي تلعبه ريادة الأعمال في المشهد الاقتصادي للبلد. لقد خلقت سنوات من عدم الاستقرار السياسي والصراعات بيئةً غير مواتية لنمو أهم محرك اقتصادي، ألا وهو الشركات الصغيرة والمتوسطة، مما ترك الاقتصاد رهينة لعائدات النفط وقوَض دور القطاع الخاص.


إنَّ الاقتصاد الذي تدفعه ريادة الأعمال هو اقتصاد يقوده الشباب. وبحسب آخر أرقام الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2020، بلغ عدد السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عاماً 13.7 مليون نسمة، أي ما يعادل نحو 34% من إجمالي السكان. وبما أن الشباب هم الفئة العمرية المهيمنة، فإن هناك حاجة ملحة للنهوض بواقع ريادة الأعمال في العراق.


إنّ الحكومة الحالية مدركةٌ لضرورة تفعيل القطاع الخاص، وهي تعي الأعداد الهائلة من الداخلين إلى سوق العمل، بما في ذلك خريجي الجامعات الذين يبحثون عن فرص عمل في القطاعين العام والخاص. وفي محاولة لها لتقليص الطلب على الوظائف العامة، أطلقت الحكومة مبادرة ريادة، التي تهدف إلى نشر الوعي الوطني بريادة الأعمال، واستيعاب الشباب وتطوير أفكارهم وتحويلها إلى أعمال مستدامة. وتسعى المبادرة أيضاً إلى ردم الفجوة بين الشباب والقطاع الخاص من خلال برامج توفر حاضنات للأعمال وتمويلاً للأفكار التجارية الواعدة.


أطلق رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني في آذار 2023 رسمياً مبادرة ريادة بالتعاون مع عدة وزارات منها وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ووزارة الشباب والرياضة، ومن المحتمل أن تنضم لهم وزارة المالية. وقد وصلت مبالغ الأموال المخصصة لصندوق إقراض المشاريع الصغيرة إلى 500 مليار دينار من الموازنة الاتحادية لعام 2023.


واقع ريادة الأعمال في العراق


شهدت بيئة ريادة الأعمال تغيرات جذرية على مر السنين. وقد شارك العديد من اللاعبين الدوليين والمحليين بنشاط في تحسين واقع القطاع الخاص العراقي. أدى ظهور عوامل تمكين بيئة الأعمال إلى نمو ثقافة واعدة لريادة الأعمال، مع التركيز على برامج ما قبل الحاضنة والبرامج الحاضنة، وبرامج التسريع، ومراكز التدريب، ومساحات العمل المشترك. لقد شهدت بيئة الأعمال في العراق ارتفاعاً مطرداً في عدد الشركات الناشئة، الهدف منه تحويل الأفكار إلى أعمال مستدامة، مما أدى إلى زيادة الاستثمار والاهتمام في بهذا الوسط. ونتيجة لذلك، اكتسبت مبادرة "ريادة" شعبية ملحوظة بين الشباب العراقي، إذ بلغ عدد المتقدمين 80,167 طالباً و39,581 خريجاً و62,897 باحثاً عن عمل حتى تموز 2023، بحسب المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي.


استكشاف ما تقدمه مبادرة ريادة


تقول الإحصائيات أنَّ القطاع العام مساهمٌ كبيرٌ في التوظيف في العراق، وذكر مسؤول حكومي سابق أن نحو 4 ملايين موظف و2.5 مليون متقاعد يتلقون مدفوعات مباشرة أو غير مباشرة من الحكومة. يشكل الاعتماد على رواتب القطاع العام عبئاً ثقيلاً على الموازنة الاتحادية حيث تجاوزت المدفوعات ورواتب التقاعد 100% من إيرادات النفط في عام 2021. بالإضافة إلى ذلك، مع زيادة عدد الخريجين ومجموع القوى العاملة كل عام، يتم تشجيع الحكومة على البحث عن بدائل أخرى لاستيعاب هذا الضغط وإعادة توجيهه بشكل صحيح. ومن الضروري تفعيل القطاع الخاص من أجل تنويع الاقتصاد وخلق فرص العمل، لأن معدل البطالة بين العراقيين في ارتفاع مستمر، من 8% في عام 2012 إلى 15.5% في عام 2022 بحسب البنك الدولي.


مستوحاة من الخطة الاستراتيجية النرويجية "ارصد الفرص واجعلها حقيقة" لعام 2004 لريادة الأعمال في التعليم، تهدف المبادرة إلى إنشاء مجتمع ريادي من خلال 4 محاور مهمة: دراسة أفكار الشباب، والتأكد من فعالية هذه الأفكار، وإمكانية تحسينها وخلق حالة من المنافسة في السوق المحلية وتوفير فرص الإنتاج والخدمات. 


مراحل مبادرة ريادة


تنقسم العملية المتبعة في هذه المبادرة إلى 5 مراحل، تبدأ بالتسجيل في تطبيق ريادة، والتدريب، والتدقيق، والتمويل، والمتابعة. 


تطبيق ريادة 


وتأتي المبادرة مع تطبيق مخصص يضم العديد من الخدمات بمجرد تسجيل دخول المشاركين. يقدم التطبيق مجموعة واسعة من المزايا، بما في ذلك التسجيل في المحاضرات، والوصول إلى برامج دعم المشروع المتاحة، وخيار تنزيل مواد الدورة التدريبية، والمشاركة في الدورات التدريبية عبر الإنترنت، وشهادة الإنجاز عند النجاح. يمكن للمتدربين أيضاً رسم خريطة لمواقع حاضنات الأعمال في جميع أنحاء البلاد، والأهم من ذلك، أنها فرصة للمتدربين للتواصل مباشرة مع المدربين من خلال القنوات النصية، وتتبع تقدم مشروعهم.


تسخير الموارد التعليمية والتدريب 


تتم هذه المرحلة في مراكز مخصصة مختلفة في جميع أنحاء البلاد. تم تخصيص فريق مكون من 1000 قائد تدريب لـ 100 ألف متدرب في السنة الأولى من الإطلاق. الفئة العمرية المستهدفة هي طلاب الجامعات والمهنيين والخريجين والباحثين عن عمل، الذين تتراوح أعمارهم بين 16 إلى 50 سنة.


ويبلغ إجمالي عدد مراكز التدريب التي تستخدمها الحكومة العراقية 169 مركزاً وهي على النحو التالي: 34 مركزاً للتدريب المهني، و15 حاضنة أعمال، و45 مدرسة ثانوية فنية (من أصل 334)، و75 مركزاً للتطوير المهني (من أصل 383). بالإضافة إلى ذلك، تخطط الحكومة للتوسع في العام التالي للوصول إلى 166,000 متدرب. وفيما يتعلق بالمواد التدريبية، فإنها تركز بشكل أساسي على تطوير خطة العمل. 


رحلة المتدربين في ريادة


عند انتهاء التدريب، يصل المتدربون إلى مرحلة التدقيق، حيث يقومون بملء نموذج وإرساله إلكترونياً إلى البنك الذي يختارونه. تسمح هذه الاستمارة للمتدربين والحاضنات بتوقيع عقد لمدة سنة من الإشراف والمشورة والتوجيه. أصدر مجلس الوزراء بتاريخ 8 تموز من العام الجاري القرارات والشروط المتعلقة بمنح القروض لمتدربي مبادرة ريادة ووافق على طرح قروض (بحد أقصى 2 مليون دينار عراقي مع فترة سداد 7 سنوات) من قبل الرافدين والرشيد للشباب الذين أنهوا البرنامج التدريبي ويرغبون في تأسيس مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر.


ويتيح تطبيق ريادة لخريجي هذه المبادرة إمكانية المتابعة الذاتية لأكثر من 10 سنوات، حيث يمكنهم التحقق من تقدم أعمالهم من خلال سجلاتهم المالية ومقاطع الفيديو والصور التي يقومون بتحميلها على حساباتهم.


الأهداف الآنية والاستراتيجية


ومن خلال إطلاق هذه المبادرة التي تهدف إلى تمكين الشباب في مجال الأعمال، تسعى الحكومة إلى تحقيق أهداف معينة. والنتيجة النهائية هي خلق اقتصاد مستدام ومتنوع يعتمد على نظام بيئي ديناميكي لرواد الأعمال والشركات الصغيرة بدلا من الاعتماد على الموارد النفطية. ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على المبادرة أن تصل إلى بعض الأهداف المهمة على طول الطريق، والتي تمثل في جوهرها أهداف الحكومة. مع ريادة، تسعى الحكومة إلى تحقيق أهداف قصيرة المدى حيث ستحول المراكز/الحاضنات إلى مراكز تقدم الحلول التي تعالج تحديات النظام البيئي لريادة الأعمال وتستفيد من الفرص الاقتصادية الواعدة من حيث الأفكار التجارية المبتكرة وشغف الشباب نحو ريادة الأعمال. بالإضافة إلى ذلك، ستكون هذه المراكز بمثابة معسكرات تدريب تمكن الشباب من اكتساب المهارات والمعرفة اللازمة لبناء وإدارة أعمالهم في السوق.


أما بالنسبة للأهداف الاستراتيجية، فإن النتيجة هي خلق المزيد من فرص العمل للشباب في جميع أنحاء البلاد ولعب دور كبير في تطوير القطاع الخاص، الأمر الذي يشجع بالتالي المزيد من الاستثمار والتركيز على مواردنا الطبيعية ورأس المال البشري وبناء القدرات.


إذكاء الوعي


لقد دعت العديد من الأصوات دعوةً فعالةً وقوية إلى رفع الوعي الاجتماعي بين الشباب العراقي حول أهمية ريادة الأعمال. ومع ذلك، فإن ريادة تختلف بشكل كبير في هذا الشأن حيث أنها تتمتع بتواصل مجتمعي وتمويل أكبر، يمتد عبر الجامعات وخارجها. لقد سلط التأييد الرسمي الضوء على مشهد ريادة الأعمال الذي قد يعرفه أو لا يعرفه عدد كبير من العراقيين. أصبح لدى عامة الناس الآن فهم أفضل لهذا المفهوم والقيمة التي يحملها في سياق القطاع الخاص. ويتجلى هذا الوعي اجتماعيا بطرق مختلفة، وهي كما يلي:


الحصول على أبجديات الأعمال


الدخول في ريادة الأعمال يتحدى النهج التقليدي لبناء الأعمال التجارية. وهو يشجع الشباب على اكتساب نظرة ثاقبة للمعايير المهنية للممارسات التجارية، مثل السلوك الأخلاقي، وإدارة المخاطر، والإدارة المالية، والابتكار والبحث، على سبيل المثال لا الحصر. إن فهم هذه المعايير يمكن أن يعطي بالتأكيد أفضلية على المتابعين غير القياسيين ويزيد من معدل النجاح في سوق ديناميكي مثل السوق العراقية.


التحول الرقمي للأعمال


وتستخدم المبادرة تطبيقاً للتواصل مع المتدربين، مما يمهد الطريق لمزيد من الأشخاص لمواكبة التحول الرقمي في السوق. إن حقيقة أن المتدربين بحاجة إلى تسجيل الدخول وملء استمارة الطلب وتتبع تقدمهم تشير إلى الانتهاء من الأساليب الكلاسيكية للتواصل بين الحكومة والشعب وتشير إلى دمج المزيد من التكنولوجيا. بالإضافة إلى ذلك، فهو يؤكد على حقيقة أن دمج التقنيات، بأي شكل من الأشكال، في تكوين الأعمال هو أمر أساسي ويجب تشجيعه.


مراكز تطوير الأعمال


لقد وسعت هذه المبادرة آفاق الشباب العراقي إلى إمكانيات جديدة من خلال تعريفهم بمراكز تطوير الأعمال هذه. وهذا يساعد على زيادة الوعي الاجتماعي وبناء منظور حول الغرض من هذه المراكز. يستطيع الآن كل من يرغب في تحويل فكرة إلى شركة ناشئة ناجحة ولكنه يفتقر إلى المهارات والمعرفة اللازمة، أن يسجل الدخول إلى أحد هذه المراكز - وليس بالضرورة أن تكون مرتبطة بهذه المبادرة. هناك العديد من العوامل التمكينية في بيئة الأعمال العراقية التي توفر أساسيات حول كيفية إنشاء شركة ناشئة وتوسيع نطاقها، بالإضافة إلى اكتساب مجموعة واسعة من المهارات التي يمكن أن تكون مفيدة لرواد الأعمال. إن تعريف الناس بأن العديد من منظمات ومبادرات دعم ريادة الأعمال يمكنها احتضان وتمويل فكرة ما، هو مستوى آخر من الوعي الاجتماعي الذي تبثه مبادرة ريادة.


رفع مستوى المعرفة بالتمويل


العديد من رواد الأعمال العراقيين لديهم فكرة، لكنهم يفتقرون إلى التمويل. تقدم مبادرة ريادة فرصة عملية لرواد الأعمال الشباب لاكتساب خبرة عملية في إجراءات التمويل. ويخضع المتدربون لعدة مراحل فنية وقانونية مع حاضنات الأعمال والبنوك في محاولة لتأمين التمويل بنجاح لمشاريعهم التجارية. وبغض النظر عن النتيجة النهائية، فإن ما يحمل أهمية كبيرة هو التعرض لتجربة مثيرة للاهتمام في مجال ريادة الأعمال، وخاصة التمويل.


تمثل شريحة الشباب الجزء الأكبر من السكان العراقيين، ودورهم ضروري لتحقيق التقدم الاجتماعي، وإحدى الطرق لتحقيق ذلك هي من خلال تشجيع ريادة الأعمال. وقد دعا العديد من اللاعبين إلى دور أكبر لرواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد المستدام، وتعد مبادرة ريادة مثالاً حديثاً على ذلك. تهدف ريادة، التي أطلقتها الحكومة، إلى جذب الشباب العراقي إلى ساحة ريادة الأعمال من خلال تزويدهم بالتدريب والتمويل، وتمكينهم من تأسيس أعمالهم والمساهمة في الاقتصاد نتيجة لذلك. تعمل المبادرة أيضًا على نشر الوعي بين العراقيين حول أهمية ريادة الأعمال، ودمج التقنيات في إنشاء الأعمال التجارية وتوسيع نطاقها، وتوسيع المعرفة حول مراكز التمويل والتدريب في جميع أنحاء البلاد، وأخيرًا، اعتماد المعايير المهنية لممارسة الأعمال التجارية.


More Arabic Articles

تمكين المَرأة في الإقتصاد الرقمي العراقي: مُبادرة "She Codes Too"

غدت المعرفة بالأمور الرقمية أمراً لا بد منه لسلك دروب عالمنا الحديث في مجتمعنا سريع التطوّر اليوم. ومع تَزايد اعتماد مُجتمعاتنا واقتصاداتنا... read more

مقابلة مع الدكتور حسن الخطيب

الدكتور الخطيب هو المستشار الاستراتيجي لرئيس وزراء العراق في كل شيء رقمي. وهو منصب يرفده بعقودٍ من الخبرة في مجال التكنولوجيا في... read more

استثمر في كوردستان: نظرة عامة على القطاعات ذات الأولوية

إقليم كوردستان العراق هو إقليمٌ يتمتع بالحكم الذاتي يقع في الجزء الشمالي من العراق، وله موقع استراتيجي مهمٌ عند التقاء أوروبا وآسيا... read more

تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إقليم كوردستان: نظرة عامة على المهارات الرقمية والقطاعات وفرص الاستثمار

يقع إقليم كوردستان في شمال العراق ويضم أربع محافظات هي دهوك، والسليمانية، وحلبجة، وأربيل، والأخيرة هي عاصمته. تمتد هذه المحافظات مجتمعة على... read more

تحول التعليم الجامعي في كوردستان العراق: اجتياز العقبات وتبني التغيير الإيجابي

واجه التعليم في إقليم كوردستان العراق العديد من التحديات في الماضي، لكنه أيضاً شهد تحولاً مطرداً في السنوات الأخيرة. لقد أدرك الإقليم... read more

Posted in on Sunday, 24th December, 2023