الفرص المتاحة للشركات الناشئة في تكنولوجيا الصحة في العراق بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي



د. زيد الزاملي 

المدير التنفيذي، Penlight AI 

المدير التنفيذي للتكنولوجيا، سليم 


مِن الواضِح جداً أن الذكاء الإصطناعي يَتجهُ نَحوَ تَحقيق إنجازات كبيرة في مجالِ الرعاية الصحية، فمِن تَوفير التكاليف من خلالِ أتمتة الأعمال المَكتبية المُستهلكةِ للوقتِ إلى عرضِ تَحذيراتٍ تُنقذُ حياة المريض، يَتفقُ مُعظمُ الأشخاصِ على أن الذكاء الإصطناعي الإنتاجي لديه العديد مِن حالات الإستخدام المَطلوبةُ بشدةٍ في مجالِ الرعاية الصحية، وبالإضافة إلى ذلك، مع وصولنا لعام 2024، يَشهدُ سوق الذكاء الإصطناعي في مجالِ الرعاية الصحية نمواً ملحوظاً، مع زيادة مُتوقعة من 22.45 مليار دولار في عامِ 2023 إلى 208.2 مليار دولار في عامِ 2030.


يَكادُ قَطاع الرعاية الصحية أن يَكونُ جاهزاً للتَحوّل الرَقمي في العِراقِ، يُقدّمُ الذكاء الإصطناعي فُرصة فريدة للتقدم بخطوات كبيرة في نماذجِ الرعاية الصحية التقليدية، مِن خلالِ استغلال قوة الذكاء الإصطناعي، يُمكن للشركات الناشئة العراقية في مجالِ الرعاية الصحية التَعامل مع التحديات العاجلة التي يُواجهُها النظام الحالي، بما في ذلك الإدارة اليدوية لسجلات المرضى والحاجة إلى تَقديم رعاية أكثُر كفاءةٍ.


سنُحاولُ التَطرق في هذا المقالِ إلى بعضِ الدينامياتِ والفرص المثيرة وحالات الإستخدام المُتعلّقة بتكنولوجيا الذكاء الإصطناعي في مجالِ الرعاية الصحية، وتحديداً تلك المُتعلّقةُ ببيئة الأعمال العِراقية.



الذكاء الإصطناعي يُمكّنُ مِن تَحقيق القَفز النَوعي التكنولوجي:


هناك حالات عديدة بحيثُ يُمكنُ لدولة نامية الإستفادة من أحدثُ إصدار من تقنية ما دون الحاجة إلى إعتماد الخطوات الوسيطة، على سبيل المثال، بعض الدول النامية حققت قفزة نوعية في البنى التحتية التقليدية للهواتف الأرضية وأنتقلت مباشرةً إلى الشبكاتِ المحمولةِ والهواتفِ الذكيةِ، يُعرفُ هذا بإسم "القفز النوعي التكنولوجي".


هناك إمكانية لِحدوث شيء مُماثلٌ في تكنولوجيا الرعاية الصحية في العِراقِ مِن خلالِ الذكاء الإصطناعي، فعلى سبيل المثال، تُخزَّنُ غالبية بيانات رعايةُ المَرضى في المستشفياتِ العامةِ العِراقيةِ بتنسيقِ الكتابةِ اليدويةِ، وكان هذا عائقاً كبيراً لتَحسين جودة الرعاية لأنه لم يُمكن قياسهُ على نطاقٍ واسعٍ.


فَشل القُدرة على قياسِ جودةِ الرعايةِ على نطاقٍ واسعٍ يُشكّلُ عائقاً كبيراً أمام تَعزيز الرعاية لأنهُ يَحجبُ فِهمنا للأداء عَبرَ الطيف الصحي، بدون مقاييس موسعة وموحدة، يصبح تحديد المجالات التي يُمكنُ تَحسينَها، وتَخصيص المَوارد بفعاليةٍ، وإتخاذُ تَغييرات سياسية قائمةٌ على البياناتِ تُصبُ مهام صعبة. أنظمة السجل الطبي الإلكتروني الكلاسيكية المُستخدمةُ حالياً في معظمِ البلدانِ المُتقدمة لها عيوبها أيضاً، إذ تُعرفُ بأنها تَستهلكُ الكثير مِن وقت الطاقمُ الطبي.


فبفضلِ الذكاء الإصطناعي، نَرى الآن مَوجة من أنظمةِ سجلات المَرضى الإلكترونية حَيثُ تُؤمّن تلقائياً العديدُ مِن جوانب العملِ المُستهلكة للوقت مِن خلالِ الذكاءِ الاصطناعي. بإستخدام هذه الأنظمة الجديدة، يُمكنُ للأطباءِ والمُمرضاتِ وأعضاء آخرين من الطاقم الطبي في المستشفى إستخدام وقتهم في تقديمِ الرعايةِ الطبيةِ بدلاً مِن إدخال المَعلومات في الأنظمةِ الرقميةِ.


مِن خلالِ إستخدام مثل هذهِ الأنظمة المَدعومة بالذكاءِ الإصطناعي، يُمكنُ للعِراقِ وغيرهِ مِن البلدان التي تَعتمدُ بشكلٍ رئيسي على السجلات الطبية المكتوبة يدوياً تَجاوز العيوب الوقتية للأجيال السابقة من البرمجيات الطبية، والتي تُعد عاملاً رئيسياً في حجبِ الإعتماد، ويُمكنهُم الإستفادة من جميعِ مزايا تَحويل بَيانات المَرضى إلى الشكلِ الرقمي.



عَدم وجود مُنافسة راسخة تعني فرصة نجاح للشركاتِ الناشئةِ:


في معظمِ الصناعات وفي معظمِ المَناطقِ حولَ العالم، نَجحت بَعض المُزودات الكبيرة في تقديمِ قيمة لحالاتِ الإستخدام العامةِ في صناعتِهم ومنطقتِهم، وتُعرف هذه بإسم الشركات الراسخة.

بموجبِ الظروفِ النموذجية، يَجب أن تُقدِم الشركة الناشئة قيمةً تَفوقُ الحاليين في صناعتِها ومنطقتِها، ومع ذلك، عندما يَحدث إختراقِ تِقني كبير، يَتغيرُ هذا بِشكلٍ جذري حَيثُ يُمكنُ أن تكافح الشركات الراسخة لتَلبية حالات الإستخدام، وبالمقابل، الشركات الناشئة تكون أكثر حنكة وقادرة على الإبتكارِ. لقد لوحظ ذلك مع شبكة الويب العالمية، والتكنولوجيا المحمولة، والسحابة، ونَحنُ الآن نَرى ذلك يَحدثُ مع الذكاء الإصطناعي.

يُمكنُ للشركات الناشئة المُتخصصة في الرعاية الصحية والتي تُركز على الذكاء الاصطناعي، بناء أنظمة يكون أساسها الذكاء الإصطناعي، بَدلاً من أنظمة الشركات الراسخة، حَيثُ الذكاء الإصطناعي عادةً ما يكون مُجردُ فكرة ثانوية.

يَفتحُ هذا فرصة فريدة ومُثيرة للشركات الناشئة العِراقية، أولاً، هناك نَوع جديد من الطلب لم يَتعامل مَعهُ الحاليين محلياً، ثانياً، تَحقيق توافق المُنتج مع السوق محلياً يَفتحُ الفُرصة لسهولةِ نشرهِ للمَناطقِ ذات الأنظمة الصحية المُماثلة، بما يعنيه الدول المُجاورة، وحتى للأسواق العالمية.


أمثلة على استخدامات الذكاء الإصطناعي في مجال الرعاية الصحية:


مُساعدُ الطبيب الذكي: هذه فئةً واسعة حَيثُ يُمكنُ للذكاء الإصطناعي مُساعدة الأطباء في إجراءِ المُقابلات الطبية بكفاءةٍ أكبر عن طريقِ تَدوين المُلاحظات، وإقتراح الأسئلة، وتَقديم الرؤى أثناء المُقابلة، وتَحديد التَشخيص التَفريقي، وحتى اقتراح خطط العلاج، خاصةً مع أن هذه التقنية في مراحلها الأولى، فإنه من المهم جداً إستخدامها كأداة لزيادة الكفاءة وليس بديلاً عن رأي الطبيب المؤهل.


المراقبة السريرية للحالة بإستخدام الذكاء الإصطناعي: تُجمعُ الكثير من البيانات المُتعلقة بجميعِ الخطواتِ التي تُتخذُ لإدارة المَرضى، مِن دخول مرافق الرعاية الصحية إلى وقتِ خروجهم، مِن خلالِ مُراقبةُ هذهِ البيانات أثناء تَوليدها، يُمكن للذكاء الاصطناعي تَوليد رؤى حَيوية وتَوقيتية بإمكانها أن تُنقذُ الحياة والتي، للأسف، يتم تفاديها بشكلٍ متكررٍ. يُمكنُ إصدار هذهِ التحذيرات إلى الأطباءِ والمهنيين الطبيين بحيث تُصحح في أقربِ وقتٍ ممكنٍ.


ذكاء إصطناعي لتثقيف المرضى: بمُجرد عمل إستنتاجات سريرية من المُحترفين، يَبدأ عملية مُهمة ومُستمرة لتثقيف المَرضى، يُمكنُ للذكاء الإصطناعي المُساعدة عن طريق التفاعل مع المرضى لإبقائهم دائماً على علمٍ دائم بحالتِهم، هذا ليس فقط يُساعدهم على إتخاذِ خيارات أفضل بشأنِ صحتِهم، ولكن أيضاً يَبني المَزيد من الثقةِ في عمليةِ الرعاية الصحية.


ذكاء إصطناعي إداري طبي: يُفاجئ العَديدُ مِن المُحترفين الطبيين الجُدد بكميةِ المَهامِ الإداريةِ والمَكتبيةِ المُشاركة في عملهم، ملء النَماذِج وإدخال البيانات يَستغرِقان وقتاً خاصاً. يَتميز الذكاء الإصطناعي في التعاملِ مع هذا النوعِ من المهامِ، ولديهِ الإمكانية ليكونَ ذكياً بما فيهِ الكفايةِ للتَعاملُ مع الحالاتِ الهامشية او الحرجة أو على الأقل تَفويض المَسؤولية عند الحاجة. وتَتضمنُ هذهِ الفئة أيضاً المُساعدة في مهام مُستوى مرافق الرعاية الصحية مثل إدارة دورة الإيرادات وإستخدام التَحليلات لتَحسين تكاليف الرعاية الصحية وتَخصيص المَوارد.


حالات إستخدام أخرى: المُساعدة في الصحة العقلية، ومُساعدة المَرضى على الالتزام بالأدوية، والعثور على أفضلِ مُقدمي الرعاية الصحية لمَريض مُعين هي أمثلة رائعة على الفرصِ العديدةِ التي تَفتحها هذهِ التكنولوجيا الجديدة.



التحديات التي تحتاج الشركات الناشئة العراقية المتخصصة في الذكاء الإصطناعي إلى التعامل معها:


  • نماذج الذكاء الإصطناعي المتقنة للغة العربية:


بينما تُوثَّقُ العديد مِن معلومات المَرضى العِراقيين باللغة الإنجليزية، يَتحدث المَرضى العِراقيين باللهجة العِراقية من اللغة العربية، ونظراً لأن العَديد مِن حالات إستخدام الذكاء الإصطناعي تَتضمنُ الإستماع إلى ما يَقولهُ هؤلاء المَرضى، يُمكن أن نَرى تحدياً وفرصة لتَطوير نَماذج الذكاء الإصطناعي المُتعلّقة بهذه اللغة، ويُمكن أن تَشمل هذهِ النَماذج نَماذج اللغة الكبيرة، ولكن يُمكن أيضاً أن تَكون نَماذج الكلام، والنَماذج مُتعددة الوَسائط، إلخ.


  • الدقة والسلامة:


مؤخراً، كانت أكثر الوَظائف الرائعة للذكاء الإصطناعي تَشغيلاً بواسطةِ الذكاء الإصطناعي الإنتاجي، على الأقل مِن حَيث الإهتمام العام والصحافة، للأسف، يُعرض الذكاء الإصطناعي الإنتاجي لـ "الهلوسات"، فهو ليس فقط يَرتكبُ أخطاءً، ولكن في كثيرٍ مِن الأحيانِ يَكونُ واثقاً من إخراجه عند إنتاج مثل هذه الأخطاء، يُمكنُ أن يَكونَ هذا خطيراً جداً في إطار الرعاية الصحية حيثُ تَكون حياة الناس ورفاهيتهم في خطرٍ. لذلك، تَحتاج الشركات الناشئة التي تَقوم بتنفيذ حلول الذكاء الإصطناعي في مجال الرعاية الصحية إلى القيام بذلك بتركيزٍ كبيرٍ على السلامة والدقة.

مِن أفضل الطرق للقيام بذلك هو أن يكون الإستجابات التي يُولّدها الذكاء الإصطناعي مُستندة إلى مَراجِع مُراجعة من الأقران في العالم الحقيقي والبيانات من الكيانات المَوثوق بها، يُمكن أن تَشمل هذه الكيانات الجَمعيات الطبية والعلمية، وناشري الكُتبُ العلميةِ، ومَنصات المَراجِع الطبية عبر الإنترنت.


  • خصوصية البيانات وإنحياز الخوارزميات:


تَتعاملُ هذهِ الأنظمة عادةً مع الكثيرِ من المعلومات، نظراً لأن المعلومات الطبية تَكونُ حساسة، فإنه مِن المُهم وبشكلٍ خاص ضمان سلامة البيانات، وأن نكون شفافين بشأنِ إستخدامها، والإمتثال للتَشريعات ذات الصلة.

العَديدُ مِن أنظمة الذكاء الإصطناعي الحَديثة المُتطورة طُوِرت ودُرِبت على بياناتٍ تَحملُ إنحيازات كبيرة في الأساس، كتلك المُتعلقة بالأعراق والجنس، نظراً لأن إدارة الرعاية الصحية يُمكنُ أن تَتأثر بمثلِ هذهِ المُتغيرات، فإنه مِن المُهم إستكشاف الطُرق التي يَتمثلُ بها السكان الذين يَستخدمون التكنولوجيا بشكلٍ جيد في البياناتِ المُستخدمة لبناء تلك التكنولوجيا.


  • إعتماد العملاء:


مُستخدمو هذه التكنولوجيا الجديدة سيَشملون ليس فقط المُحترفين الطبيين ولكن أيضاً المَرضى، ويأتي المرضى بطبيعة الحال، من جميع الطبقات الإجتماعية في البلاد.

لا يَحتاج الناس فقط إلى أن يَشعروا بالراحةِ في الحصولِ على الخدماتِ والتَفاعل مَعها رقمياً، بَل يَحتاجون أيضاً إلى فهم أساسي على الأقل لقدرات وقيود ميزات الذكاء الإصطناعي التي يَتفاعلون مَعها.

على الرغم من ذلك، فإن الذكاء الإصطناعي لديهِ القدرةِ على جعلِ التَفاعل مع التكنولوجيا أسهل وأكثر بديهية، بالرغم من ذلك، فقد أعتمد السكان العراقيين بوضوحٍ المزيد والمزيد من المُنتجات والخَدمات الرَقمية.

لذلك، تَحتاج الشركات الناشئة في هذا المَجال فقط إلى بذلِ جهد أكبر نسبياً في جعلِ تجربة المُستخدم سهلة الفهمِ وواضحة وعملية.


في الختامِ، لدى هذه التكنولوجيا الكثير مِن الإمكانات لِتحويل الطريقة التي تُقام بها الأمور في المجال الطبي، من خلالِ الأولوية التي تُمنحُ للسلامة والدقة والإعتبارات الأخلاقية مع البقاء القدرة الإطلاع على إمكانيات الذكاء الإصطناعي، يُمكنُ لمُقدمي الرعاية الصحية إستخدام قُدرتها الكاملة لتَحويل تَقديم الرعاية الصحية وبالنهاية إستفادة الإنسانية كَكُل.

Posted in on Sunday, 1st September, 2024